(منافع الغيث)
بقلم:أ/خالد بن محمد الأنصاري
يفرح الناس بنزول الغيث – المطر الغزير – وهو من رحمة الله تعالى وفضله على عباده ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
وكلما افتقروا لنزوله ويئسوا تداركتهم رحمة الله تعالى وبرکته قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد).
ومن معاني المطر: الحياة والنماء والخصب والخير ، ويصف الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه «مفتاح دار السعادة» (2/36-37) «المطر» وصفا جميلاً ، ويرسم صورة رائعة لمناظره فيقول : (فإذا تأملت السحاب الكثيف المظلم ، كيف تراه يجتمع في جو صافٍ لا كدورة فيه ، وكيف يخلقه الله متى شاء وإذا شاء ، وهو مع لينه ورخاوته حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض ، إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه منالماء ، فيرسله وينزله منه مقطعا بالقطرات ، كل قطرة بقدر مخصوص اقتضته حكمته ورحمته ، فيرش السحاب الماء على الأرض رشا ، ويرسله قطرات مفصلة ، لا تختلط قطر منها بأخرى ، ولا يتقدم متأخرها ، ولا يتأخر متقدمها ، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها ، بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي ترسم لها لا تعدل عنه ، حتى تصيب الأرض قطرةً قطره ، قد عينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداه إلى غيره ، فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يخلقوا منها قطرة واحدة أو يحصُوا عدد القطر في لحظةٍ واحدةٍ لعجزوا عنه).
*موانع الغيث:
هناك أسباب وموانع لنزول الغيث من السماء فيحصل بها الجدب والقحط في الأرض من أهمها :
١- نقص المكيال والميزان: ويكون ذلك بالغش والتدليس في البيع والشراء بنقص المكاییل وبخس الموازين والتأكيد بالحلف عليه بالأيمان الكاذبة ، وذلك لما روي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال : «ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم» .
لقد أباحك غشا في معاملة
من كنت منه بغير الصدق تنتفع
۲- عدم دفع الزكاة: علما بأنها الركن الثالث من أركان الإسلام ، وذلك بادخار الأموال في البنوك والعقار ، وعدم القيام بإخراج حق الله تعالى فيها ؛ ودفعه للفقراء والمساكين ، وقد توعد الله عز وجل الذين یکنزون أموالهم ولا يخرجون زكاتهم بقوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
وأحسب الناس لو أعطوا زكاتهم
لما رأيت بني الإعدام شاكينا
وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا».
وقال كعب لابن عباس رضي الله عنه: “إذا رأيت القطر قد منع! فاعلم أن الناس قد منعوا الزكاة، فمنع الله ما عنده”.
٣- تفشي المعاصي والمنكرات: وهي من أعظم أسباب منع القطر من السماء ، ولنعتبر بالأمم السابقة ممن أغدق الله عليهم نعمه الظاهرة من الأموال والبنين وكثرة الثمار والأمطار فلم يشكروه عليها ، بل أقبلوا على ارتكاب الذنوب والمعاصي والوقوع في المنكرات فأهلكهم الله بذنوبهم فقال تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ).
فأهلكوا بعذاب حَص دابرهم
ما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا
وكان الحسن البصري – رحمه الله – إذا رأى السحاب قال: «في هذا والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطایاکم وذنوبكم».
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
* أسباب نزول الغيث:
كما أن للغيث موانع تمنع من هطوله فله أيضاً أسباب جالبة لنزوله ومنها :
١- كثرة الاستغفار: قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام : (فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ).
فإن كثرة الاستغفار سبب في محو الذنوب ، ودفع العقوبة ، ونزول الغيث ، قال الشعبي – رحمه الله – كما في «المصنف» لعبد الرزاق (3/87) : «خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فأمطروا ، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟! فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: “فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا “.
أستغفر الله ذنباً لست محصيه
رب العباد إليه الوجه والعمل
٢- التوبة من الذنوب: فإن التوبة الصادقة تجب ما قبلها من المعاصي والآثام ، وقد قال الله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
والتوبة سبب في الفلاح والنجاة في الدارين ، وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام كما في (الصحيح) عنه يقول : «يا أيها الناس ، توبوا إلى الله ، فو الله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
فالتوبة سبب في نزولالرحمة والغيث. قال عز وجل في قصة هود عليه السلام : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).
خُذْ مِنْ شَبَابِكَ قَبْلَ الموتِ والهرَمِ
وَبَادِرْ التَّوْبَ قَبْلَ الفَوْتِ والنَّدَمِ
وَاعْلَمْ بِأنَّكَ مَجْزِيٌّ وَمُرْتَهَنٌ
وَرَاقِبِ اللهَ واحْذَرْ زَلَّةَ القَدَمِ
٣- الإيمان بالله ولزوم التقوى: فالإيمان بالله عز وجل ووحدانيته وربو بيته مع لزوم تقواه باتباع أوامره واجتناب نواهيه سببان في نزول الغيث لقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ).
٤- الإحسان: ويكون ذلك بإخلاص الطاعة لله تعالى ، والإحسان لعباده المؤمنين بفعل الخير قال عز وجل: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – في «الجامع الأحكام القرآن» ( 9/250 ) : (وقيل : أراد بالرحمة هنا المطر).
٥- صلاة الاستسقاء: وتسن عند جدب الأرض وتأخر المطر لما ثبت من حديث عبد الله بن زید رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله ﷺ إلى المصلی فاستسقى ، واستقبل القبلة ، وقلب رداءه ، وصلى ركعتين» .
قال الإمام النووي – رحمه الله – في «المجموع» (5/68) : (وأكمل الاستسقاء أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين ، ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة وإقبال على الخير
ومجانبة للشر ، ونحو ذلك من طاعة الله تعالی).
٦- الاستقامة: وهي منزلة من منازل العبودية عند أهل السنة والجماعة قال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا).
فالاستقامة سبب من أسباب نزول الغيث وحصول الأنس والسعادة في القلب للعبد ، وهي عتبة العبودية كما أجمل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في قوله: (من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية).
* ما يشرع عند نزول الغيث:
١- الذكر عند رؤية المطر: يشرع أن يقال عند هطول الأمطار ما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان إذا رأى المطر قال: «اللهم صيبا نافعا».
۲- کشف جزء من البدن: ليصيبه المطر رجاء البركة لما ثبت من حديث أنس رضى الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر فحسر رسول الله ﷺ ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: یا رسول الله لم صنعت هذا؟! قال: “لأنه حديث عهد بربه تعالی”.
قال الإمام النووي رحمه الله في «المنهاج » (6/435 ) : (معنی حسر: کشف أي: کشف بعض بدنه ، ومعنى «حدیث عهد بربه» : أي بتكوين ربه إياه ، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها).
٣- رفع اليدين بالدعاء: ومما يشرع عند نزول الغيث الدعاء فإنه موطن إجابة لما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال : «ثنتان ماتردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر» ، ولما ثبت أيضا من حديث أنس رضي الله عنه: «أن النبي ﷺ كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى یری بیاض إبطيه».
٤- الذكر بعد نزول المطر: ويستحب بعد نزول المطر أن يقال ما ثبت من حديث زید بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مطرنا بفضل الله ورحمته).
وأخيرا: أسأل الله عز وجل أن يغيث قلوبنا بالإيمان ، وأن يقر أعيننا بنصرة المسلمين في كل مكان ، وأن يحفظ لنا ديننا وأمتنا وحكامنا يا رب العالمين ؛ اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا ياذا الجلال والإكرام.
نفع الله بكم