(فقه الرقية الشرعية)
بقلم/خالد بن محمد الأنصاري
يكثر الحديث في بعض وسائل الإعلام ، ولاسيما الصحفية منها ، عن الرقية الشرعية ، وعن تجاوزات بعض الرقاة لوجود بعض الأدعياء والمتعالمين الذين توسعوا في باب الرقية طمعاً في الكسب المادي ؛ ما جعلني أكتب عن هذا الموضوع وأتناوله من خلال الوقفات الآتية:
الوقفة الأولى: مشروعية الرقية:
فقد تضافرت النصوص الشرعية على جواز الرقية ومشروعيتها؛ كونها من أعظم أبواب الخير والنفع للعباد؛ قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}.
يقول الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في (إغاثة اللهفان) (1-92) : «إن القرآن شفاء لما في الصدور، يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أمره فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء، ويخلي منه القلب ليصادف الدواء محلاً خالياً؛ فيتمكن منه ويؤثر فيه، كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلباً خالياً فتمكنا».
وقد ثبت في «صحيح مسلم» من حديث عوف بن مالك الأشجعي – رضي الله عنه – قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أعرضوا علي رقاكم ؛ لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك».
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره (10-318) : «وكانت عائشة – رضي الله عنها – تقرأ بالمعوذتين في إناء ثم تأمر أن يُصبَّ على المريض».
وللرقية ثلاثة شروط، ذكرها الإمام الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في (فتح الباري) (10-206) فقال : «وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، أو بما يُعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل هي سبب والله تعالى هو الشافي».
وقال الإمام النووي – رحمه الله – في (المنهاج) (14-168) : «وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سُنة».
وهذا يوضح لنا مشروعية الرقى بشروطها الآنفة الذكر.
الوقفة الثانية: آداب الراقي:
والمقصود بها من يمارس القراءة على المرضى ويعالجهم؛ فلا بد أن تتوافر فيه أمور عدة؛ لتكون الرقية نافعة بإذن الله تعالى، منها:
1 – إخلاص النية لله – عز وجل – بنفع العباد امتثالاً لقوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في (مجموع الفتاوى) (14-332) : «فقد تبيّن أن إخلاص الدين لله يمنع من تسلط الشيطان، ومن ولاية الشيطان التي توجب العذاب».
2 – طلب العلم الشرعي؛ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّه الَّذِينَ أمنوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سلك طريقاً يبتغي به علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة».
فعلى الراقي أن يتفقه في الدين، ويتعلم المسائل الخاصة بالرقية، ويتفقه في أحكامها ونوازلها.
3 – الورع والتقوى: في السر والعلن ؛ قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا}.
والتورع قدر المستطاع في التعامل مع المرضى بما يرضي الله عز وجل.
4 – عدم ضرب المريض وصعقه بالكهرباء والضغط على أوداجه وخنقه ، وغيرها من أساليب التعذيب.
5 – عدم الجزم بالمغيبات والتوسع في كثرة الحديث مع الجان إذا تكلم على لسان المصروع.
6 – عدم الخلوة بالنساء؛ لما ثبت من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم».
الوقفة الثالثة: آداب المسترقي:
والمراد بها المريض الذي يطلب العلاج بالرقية، ومنها:
1 – كثرة الذكر والدعاء ؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَة الدَّاعِ إذا دَعَانِ}، وأن يلتجئ إلى الله تعالى ويستغيث به.
2 – الصبر على الابتلاء؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
3 – أن يذهب لمن عُرف بالصلاح والتقوى والاستقامة من الرقاة.
4 – الاستعاذة بالله من الشيطان؛ قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}.
5 – التحصن بالأذكار في الصباح والمساء، ودبر كل صلاة.
الوقفة الرابعة: محاذير للراقي والمسترقي:
1 – الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر.
2 – مس جسد المرأة أو الخلوة بها بدعوة رقية الألم وملاحقة الجان.
3 – الرقية عبر الهاتف والقنوات الفضائية ومكبرات الصوت.
4 – القراءة على ماء فيه زعفران، ثم غمس الأوراق فيه، ثم تجفيفها، ثم حلها بعد ذلك بماء، ثم شربها، وبيعها بمبالغ كبيرة على المرضى.
5 – تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه، وأمر القارئ له بذلك.
6 – تشغيل جهاز التسجيل بالقراءة والأدعية، وانتزاع آيات معينة للسحر، وأخرى للعين.
7 – الرقية بالسؤال عن اسم الأم.
8 – الوقوع في العزائم والرقى الشركية.
وعليه فإن الرقية الشرعية هي التماس لرفع البأس عن المبتلى لجوءاً إلى الله – عز وجل – واستعانة به؛ فلا ينبغي أن يمارسها إلا من كان لديه خوف من الله تعالى وتعظيم لحرماته، وحصيلة شرعية يدرك من خلالها فقه التعامل مع المرضى وإرشادهم لما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم.
اترك تعليقاً