| السبت 1445/11/2.5هـ (11-05-2024م)

دور الأسرة في تعزيز الأمن الفكري وترسيخ المواطنة الصالحة بقلم/مرتضى الأنصاري

إن الأسرة هي المدرسة الأولى لمواطن المستقبل، وهي اللبنة الأساس والمتجذرة لصياغة شخصيته. ويقع على الأسرة المسئولية الكبرى في بناء شخصية الأبناء،وتنشئتهم على القيم التي تعزز الأمن الفكري والمواطنة المعتبرة، وتقويم سلوك وأخلاق رجل الغد ومواطن المستقبل وتوجيهه التوجيه الصحيح إلى كل المعاني والقيم والمثل التي تعلي الهوية الإسلامية والوطنية الصحيحة وهي التي تعينه على معوقات الحياة،وتمده بلقاحات تربوية عملية تحصّنه ضد أي فكر منحرف يمكن أن يستهدف أمته ووطنه وولاة أمره ، وتقوِّيه على رد الهجمات الثقافية الخارجية المحرفة لخلقه وسلوكه، ولا سيما الحملات الثقافية الموجهة من الخارج والساعية لقلع أبنائنا من هويتهم الأصيلة والسليمة ومن دينهم الحنيف، وجرهم إلى منزلقات الرذيلة وإلى التقليعات البعيدة عن العادات المستقيمة العربية والإسلامية،وهو من أبرز مقتضيات النصح للرعية وحسن رعايتها وتربيتها تحقيقا لما جاء في الحديث الشريف : (  ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء    (   وحَذَراً مما جاء في الحديث الشريف الآخر : (  ما من راع يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت ، وهو غاش لها ، إلا حرم اللهعليه رائحة الجنة )

ولا يصح للأسرة الاتكال على المدرسة أو على مؤسسات المجتمع الأخرى لتوجيه الأبناء وتعويدهم على مقومات المواطنة الصالحة. ومهما يكن أفراد الأسرة منغمسين في أعمالهم وانشغالاتهم، إلا أن ذلك لا يسقط عن كاهلهم تخصيص الوقت الكافي لتنشئة الأبناء التنشئة الصالحة.

وعندما يكون لدينا مجتمع تتكامل فيه مسئوليات الأسرة مع المسئوليات التربوية للمؤسسات التعليمية، وتشترك فيه الأسرة مع مؤسسات المجتمع الأخرى في استشعار قدر المسئولية في هذا المجال، نستطيع أن نضع الخطوات الصحيحة على درب بناء وطن متقدم وزاهر يعيش ويسعد فيه كل أركانه.

وإذا كان من وسائل السلامة الطفاية وحقيبة الإسعافات الأولية فإن من وسائل السلامة العامة أن نعزز وجود الفكر الذي نواصل معه الوحدة الوطنية المستمدة من ديننا ومنها الطاعة لولاة الأمر والولاء والوفاء بالعهد والميثاق والمناجاة بالخير والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و تعزيز هذه المعاني و التعاليم السمحة من خلال الأسرة أولا ثم من خلال  المنهج التعليمي و الأنشطة الطلابية.

 

إن المواطنة الصالحة ليست كلمات تردد،أو شعارات تعلق أو بطاقات وطنية تحمل ، وإنما هي إخلاص  لله ثم لولاة الأمر ثم للوطن والمواطنين قولا وعملا في واقعنا اليومي في بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا وأنديتنا وفي سفرنا وإقامتنا.

و من المعلوم أن النفوس قد جبلت على حب ديارها  وهذا الأمر الفطري جاءت الشريعة الغراء بتثبيته وتأكيده والمحافظة عليه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن عن حبه لوطنه في مكة وهو يغادرها إلى المدينة فيقول والله إنك لأحب البقاع إلى الله وأحب البقاع إلي ولولا أني أخرجت منك لما خرجت. ويقال : لحب الأوطان عمرت البلدان.

ومن الحكم المشهورة (حب الوطن من الإيمان)

نعمتان مجحودتان الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان.

وما عمرت الأوطان بمثل راية العقيدة السلفية الصحيحة التي ترفرف على جنباتها وتحكيم الشريعة على أرضها.

وأمتنا الإسلامية حين تتسارع بها عجلة المستجدات  نجدها تعيش بين الثوابت والمتغيرات لأنها أمة رائدة في شريعتها الغراء التي لا تعرف الانعزالية ولا الانغلاق وتحسن التعامل مع المتغيرات بكل إيجابية في ضوء الكتاب والسنة وتتجاوز مرحلة الأزمات فقهاً لأبعاد التحديات.

ومن حق أوطاننا علينا أن نسعى لتحقيق مصالحها  وأن ندعو لدرء المفاسد عنها وأن نحمي أمنها  ونرعى وحدتها واستقرارها ونحافظ على منجزاتها الحضارية الباهرة ..

مقومات تعزيز الأمن الفكري لدى الناشئة :


ومن أهم المجالات التي يتحتم على مؤسسات التربية والتعليم  كالأسرة  والمدرسة والمسجد والنادي …الخ  التركيز عليها لتعزيز الأمن الفكري في رجال المستقبل  النقاط التالية:

1-  تنشئة الأبناء صغارا على حب الوطن ،وعقيدته ،وقيادته ،وعلمائه،ومقدساته ، و شرف الانتماء له، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وحب العمل من أجل الوطن ودفع الضرر عنه، والحفاظ على مكتسباته ومنجزاته الحضارية الجبارة، والمشاركة الفاعلة في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فالعمل في الصغر كالنقش في الحجر رسوخا ..

2 –  تعزيز المنهج الدراسي بمنهج منزلي أبوي حانٍ  ينمي في عقليات النشء التمسك بمبادئ الدين، والربط بينه وبين هويته الدينية، ومكانتها في  وجدان كل مسلم على وجه الأرض ودورها في تعزيز وحدة الوطن باعتبار الدين مكونا أساسا للوطن.

3 – تحصين الأبناء ضد الأفكار المتطرفة والوافدة على بيئتهم ومجتمعهم ،وصيانة عقولهم وذويهم والوطن من كل الأمراض الاجتماعية والأخلاقية الذميمة، و التحلي بأخلاقيات المسلم الواعي بأمور دينه ودنياه، المستشعر لعقيدته ودينه الذي يؤكد أن الله يجازي خيرا الساعي من أجل رفعة شأن الوطن.
4 – تربية الأبناء على الثقافة الوطنية،وتزويده بالمعلومات الصحيحة عن الوطن ورموزه،وقادته، وبث الوعي الإيجابي بتاريخ الوطن ومقدساته وإنجازاته،ومقدراته، وتثقيفه بالأهميةالدينيةوالتاريخية،والعالمية، والاقتصادية،للوطن.

5 – العمل على إدراك المواطنين لمكانة ولاة الأمر في الإسلام والأحكام المتعلقة بهم كالبيعة والسمع والطاعة .. وحكام المملكة بوجه خاص مشهود لهم بالتمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ،والالتزام بالقرآن والسنة دستورا للمملكة والالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتضامن مع المسلمين ونصرة قضاياهم ،وخدمتهم للحرمين الشريفين ، ومنجزات دولتهم  الحضارية الجبارة في تأسيس أرقى دولة حديثة على سعة مساحتها في وقت قياسي جدا ماثلة للعيان.

6 – تنشئة الأبناء على احترام القوانين والأنظمة التي تنظم شئون الوطن والمواطنين وتحافظ على حقوق المواطنين وتسيير شئونهم. وتنشئة الجيل على حب التقيد بالنظام والعمل به.
7 – تنشئة الأبناء على الأخوة الإيمانية مع بقية أبناء الوطن ,وأن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه،وترسيخ قيمة الاعتصام بحبل الله ،والتعايش مع جميع إخوانه في الوطن بحب وولاء وانتماء،والحذر من الفرقة والتنازع والتدخل فيما لا يعني ، والأنانية والذاتية والعنصرية والإقصاء والإقليمية والمذهبية .

8 – تصوير الوطن دائما بصورة الأب الحاني والحضن الدافئ الذي يتسع قلبه لجميع أبنائه الأبرار والعصاة – لا قدر الله – ويتساوى فيه الجميع ولا يتفاضلون لا باللون ولا بالقبيلة ولا بالمذهب ولا بالإقليم ..,وإنما يتفاضلون بالعطاء والمؤهل والكفاءة وخدمة الوطن ومصالحه العامة العليا،وبقدرها يعلم صدق ولائه وانتمائه ..
9 – تعويدهم على البر وفعل الخير والخدمة الاجتماعية والعمل التطوعي ، كي يستشعر أهمية الفرد البناء في المجتمع النامي ،والذي يتكون من مجموعة أفراد ناجحين يتفانون في خدمة الوطن بلا ثمن أو عقد أو رقابة، لأنهم هم الوطن والوطن يكون بهم جميعا أو لا يكون ..
10 –المشاركة في المناسبات الوطنية الهادفة،والتفاعل معها، والمشاركة في نشاطات المؤسسات التربوية في الأحياء وإسهاماتها في خدمة المجتمع بالمشاركة في الأسابيع التي تدل على تعاون المجتمع، كاليوم الوطني لبلده وأسبوع الشجرة وأسبوع مكافحة التدخين والمخدرات ،والتوعية بأخطارها وأضرارها،وأسبوع المرور، وأسبوع العناية بالمساجد وأسبوع التوعية الأمنية ..واستثمار هذه المناسبات في غرس حب بعض الرموز المهمة في اللاوعي لديهم مثل علم وطنه وما يميزه عن علم أي بلد ، ومثل حقوق الراعي والرعية،ومكانة ولاة الأمر والعلماء  في هذه البلاد ،وما يفخر به كل مواطن من خدمتهم للحرمين الشريفين وحمايتهم لجناب العقيدة والشريعة،وتبنيهم لقضايا المسلمين والتضامن الإسلامي ..
11 –  ترسيخ مبدأ : قول الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.  ويعتبر نفسه رجل الأمن المستأمن على حراسة وطنه من أي فساد وأية فئة ضالة أو شاذة نهجت منهجا مختلفا عن منهج الجماعة والأمة ،وهو ما يستوجب عليه الإبلاغ عن كل ثغرة علمها أو لاحظها  يمكن أن ينفذ من خلالها عنصر فاسد أو مخرب للإخلال بالنظام والأمن ..
12 – تعويد النشء على تحمل المسئولية صغيرا وتحمل الأمانة والسعي للقضاء على الفساد من أي نوع وإبلاغ الجهات المسئولة عن أية أخطاء قد تخل بالأمانة والعهد لولاة الأمر والمجتمع.
13 –  ترسيخ مبدأ : وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه ،وتقدير التضحية من أجل الوطن و الدفاع عنه  ضد كل معتد عليه، والدفاع عنه بالقلم واللسان والسلاح.

14- تقديم القدوة الحسنة والأسوة العملية لتطبيق ما هو مطلوب غرسه في عقول الأبناء من قبل ذويهم فالتربية بالعمل والقدوة أرسخ وأثبت من التربية بالوعظ والكلام النظري المجرد من التطبيق العملي .
وفي الختام نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يديم في بلادنا وبلاد المسلمين عامة الأمن والأمان والرخاء والاستقرار والصحة والعافية وأن يجنبهم الشرور وأن يحفظ ولاة أمر هذه البلاد ويجعل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك مملكة الإنسانية والمصالحات الأخوية ذخرا للوطن والمواطنين وذخرا للإسلام والمسلمين وأن يجمع به كلمة المسلمين ويوحد به صفوفهم وينصره بعضده وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمدبن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ،وإخوانه ورجاله الأوفياء،وجميع ولاة أمور المسلمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عدد الزوار : 769258
السيرة الذاتية

صفحات الأنصار من أوائل المواقع التي قامت بالتعريف بالأنصار عامة وآل نافع منهم خاصة منذ إتاحة خدمة الانترنت للجمهور في…

المزيد
عدد الزوار : 769258